ابحث هنا

تطورات الملاحة اللاسلكية الفضائية


صاروختم في 26 سبتمير 2005م بنجاح إطلاق صاروخ دلتا 2 الأمريكي، وهو يحمل قمراً اصطناعياً لحساب وزارة الدفاع الأمريكية؛ وهذا القمر الاصطناعي هو NAVSTAR GPS IIR-M، الخاص بالنظام العالمي لتحديد الموقع Global Positioning System المعروف اختصاراً ب GPS؛ لكن ما يجعل هذا القمر الاصطناعي مميّزاً كونه القمر الأول من النوع المعدّل من أقمار GPS من الجيل الثاني، وهو ذو مزايا جديدة تختلف عن الأقمار السابقة.
ونحاول في هذه المقالة تسليط بصيص من الضوء على تطور أنظمة تحديد الموقع في العالم.

نظام تحديد الموقع العالمي GPS


بعد أكثر من عشر سنوات من عمر مشروع (ترانست) وهو أول مشروع ملاحي يعتمد على الأقمار الاصطناعية كان على وزارة الدفاع الأمريكية الإعداد لمشروع جديد يتخطى القيود ويقدّم مزايا أفضل، وكان المشروع المقترح هو ما أُطلق عليه اسم النظام العالمي لتحديد الموقع المعروف اختصاراً ب GPS، ويعتمد على استخدام أقمار اصطناعية من نوع Navstar.
بدأ إطلاق أقمار (نافستار) عام 1978م، وكانت في البداية ذات استخدام تجريبي، واستمر النظام ببطء، فقد تم إطلاق (9) أقمار اصطناعية حتى عام 1985م، معظمها بواسطة مكوك الفضاء.
وأدى توقف عمليات إطلاق مكوك الفضاء الأمريكي بسبب تحطّم مكوك الفضاء (تشالينجر) إلى تأخير عمليات إطلاق أقمار (نافستار)، وتم استئنافها باستخدام صاروخ دلتا لإطلاق أقمار (نافستار).
واستمر إطلاق هذه الأقمار حتى عام 1989م، التي كان يطلق عليها اسم النموذج الأول Block I، وكانت تزن في المدار حوالي (450) كيلوجراماً، وتمدها خلاياها الشمسية بطاقة تصل إلى (420) وات، وبلغ عددها (11) قمراً اصطناعياً وأُطلقت إلى مدار يميل (63) درجة عن خط الاستواء.
وفي عام 1989م، تم إطلاق أول أقمار النموذج الثاني Block II، وكان يزن في المدار حوالي (900) كيلوجرام، وتمده خلاياه الشمسية بطاقة تزيد على (700) وات من الطاقة الكهربائية، وصنع من هذا النوع (18) قمراً اصطناعياً أُطلقت جميعاً خلال الفترة من 1989 1993م، وتم فيه تعديل المدار ليميل (55) درجة عن مستوى خط الاستواء.
وفي عام 1993م، بدأ إطلاق أقمار (نافستار)، النموذج الثاني المكمّل Block IIR، وهو يزن (1050) كيلوجراماً، وتمده خلايا الشمسية بطاقة تصل إلى (1000) وات من الطاقة الكهربائية.
ويهدف نظام (نافستار) إلى توفير إحداثيات المكان بالاتجاهات الثلاثة، والسرعة الاتجاهية، وبالوقت الدقيق، وتولّت تطويره وزارة الدفاع الأمريكية؛ فبينما تعمل التقنية الملاحية لنظام (ترانست) بإرسال إشارة لاسلكية اعتيادية، ترسل الأقمار الاصطناعية في نظام (نافستار) إشارة نبضية من نوع نمط عشواء كاذبة Pseudo Random Sequence من مدارات دائرية على ارتفاع ثابت عن سطح الأرض هو (2،20) ألف كيلومتر، ويكمّل دورة واحدة حول الأرض كل (12) ساعة.
وتدور أقمار (نافستار) في ستة مستويات، كل مستوى بثلاثة أقمار اصطناعية، ورابع احتياطي يتم تشغيله في حال تعطُّل أي من الأقمار في هذا المستوى.
ونظرياً يمكن تحديد موقع جهاز الاستقبال العامل بنظام (نافستار) باستلام ثلاث إشارات من ثلاثة أقمار اصطناعية إذا كانت الساعة الإلكترونية في جهاز الاستلام بتزامن دقيق مع الإشارات الثلاث المرسلة من الأقمار الاصطناعية، لكن هذا غير ممكن عملياً، لذلك يجب استلام الإشارة من قمر رابع تستخدم إشاراته كأساس لتوليد الإشارة في جهاز الاستقبال الذي يستخدم بلورة الكوارتز لتوليد الإشارات الرقمية، وهذا يسمح أن يكون تصميم الجهاز أقل تعقيداً وأدنى كلفة؛ فمن خلال المدار المعروف لهذه الأقمار، ومن مقارنة النبضات المستلمة منها، واعتبار الرابعة كأساس، ومن قياس الفارق الزمني بين كل من هذه النبضات، يمكن إيجاد المسافة بين جهاز الاستقبال والأقمار التي تم استقبال إشاراتها، بضرب الفارق الزمني × سرعة انتقال الإشارة (سرعة الضوء تقريباً)، وبما أن هذه الأقمار معلومة المدارات، يتم تحديد موقع جهاز الاستقبال.
وتتم هذه العمليات إلكترونياً، لتظهر إحداثيات الموقع الثلاث والسرعة بالنسبة للمركبات المتحركة على الشاشة الإلكترونية للجهاز.
وكل قمر من أقمار GPS، يبث بصورة مستمرة بترددين، ويتم تضمين إشارتين من الإشارات الرقمية في هذين الترددين.
أما جهاز الاستقبال فيستخدم تقنية التقسيم الشفري متعدد الوصول CDMA للتفريق بين الإشارات الواردة من أقمار مختلفة، وهناك نوعان من الإشارات الرقمية يتم تضمينها: الأولى تدعى (الإشارة المكتسبة غير الدقيقة)، والتي تُعرف اختصاراً ب C/A وهي الإشارة التي يمكن للأجهزة التجارية التعامل معها، أما الإشارة الثانية فتدعى بالإشارة الدقيقة P Code وتقتصر الاستفادة منها على الأجهزة العسكرية الأمريكية.
إشارة C/A، هي عبارة عن نمط عشواء كاذبة مكونة من (1024) نبضة، وتُعيد نفسها كل (1 ملم) ثانية تقريباً، أما إشارة P Code فهي نمط عشواء كاذبة طويلة جداً تُعيد نفسها بعد سبعة أيام. ولغرض تضمين هاتين الإشارتين بالتردد L1 و L2 يستخدم التضمين FSK (Frequency Shift Keying)، مما ينشأ عنه إشارة ذات طيف واسع من أنواع إشارات الطيف المنشور Spread Spectrum System.
ويتم تضمين الإشارة C/A في التردد L1 فقط، أما الإشارة P Code فيتم تضمينها في الترددين L1 و L2 في أقمار (نافستار) Block II، بهدف تقليل تأثير المؤثرات الجوية على انتقال الإشارة اللاسلكية، وبالتالي زيادة دقة تحديد الموقع.
وهناك اختلاف واضح في دقة معالجة الإشارتين، فبينما يصل خطأ تحديد الموقع في الأجهزة المدنية إلى (100) متر، فإن الأجهزة العسكرية المستخدمة للأغراض الملاحية بنظام (نافستار) يتراوح خطؤها بين (10) أمتار ومتر واحد.

الوضع الحالي لنظام نافستار


بلغ عدد أقمار (نافستار) أخيراً (29) قمراً اصطناعياً عاملاً، علماً بأن نظام (نافستار) GPS يعمل بصورة متكاملة ب (24) قمراً اصطناعياً؛ وأقدم أقمار (نافستار) يصل عمره إلى (14) عاماً، مقارنة بالعمر الافتراضي لهذه الأقمار البالغ (5،7) أعوام، وأدى استمرار الأقمار القديمة في العمل إلى تأخير عمليات إطلاق الأقمار الجديدة، وبالتالي الاستفادة من مزاياها الجديدة.
ويتوقع المختصون تعطُّل (12) قمراً خلال السنوات الثلاث القادمة، لذلك فإن المسؤولين عن نظام (نافستار) يأملون تسارع عملية إطلاق الأقمار الجديدة من نوع نافستار خلال الفترة القادمة.
وتعتبر الأجزاء المعرَّضة للعطل عملياً هي: الساعات الذرية، وعجلات رد الفعل المسؤولة عن حفظ توازن القمر الاصطناعي، بالإضافة إلى انحدار أداء الخلايا الشمسية.
والقمر الذي أُطلق في 26 سبتمبر 2005م من نوع (نافستار) IIR-M، تم تعديله ليستوعب أنظمة إرسال إضافية مدنية وعسكرية من أجل مزيد من الدقة والكفاءة في خدماتها، بالإضافة إلى مرونة في طاقة الإرسال.
يقول أحد مسؤولي الشركة الصانعة عن القمر الجديد: "إن معدل الخطأ في تحديد الموقع تم تحسينه باستخدام ساعة ذرية أكثر دقة، وانخفض معدل الخطأ في تحديد الموقع في الأجهزة العسكرية إلى (25،1) متر من (3) أمتار في الجيل السباق من أقمار نافستار".
ويذكر أن الجيل الثاني من الأقمارالمعَدَّة للتبديل، المعروفة اختصاراً ب Navstar IIR، تم تصنيعها جميعاً، وعددها (22)، وأُطلق منها (14)، بينما تم تعديل آخر (8) منها لتسمى Navstar IIR-M. وتضمّن التعديل تركيب هوائيات أكثر كفاءة وأجهزة إرسال تعمل بثلاث قنوات ترددية بمدى L الترددي، هي: L1 (575،1) جيجا هرتز، و L2 (227،1) جيجا هرتز، و L3 (176،1) جيجا هرتز.
ويتم تضمين الإشارات المرسلة بهذه الترددات، مما ينشأ عنه إشارة بنظام الطيف المنشور Spread Spectrum System، وهي أنظمة تعمد إلى نشر مستوى الإشارة على مدى واسع من التردُّد، مما يجعلها عند الاستقبال تحت مستوى الضوضاء.
ويمكن لأجهزة تحديد الموقع العاملة مع نظام GPS، التقاط هذه الإشارات الضعيفة بسبب كون هذه الأجهزة قادرة على توليد إشارة العشواء الكاذبة التي تضمن عليها إشارة الإرسال.
وفي الأقمار الجديدة يتم كذلك إرسال إشارة تحديد الموقع- المدنية بتردد L2 بدلاً من إرسالها على التردد L1 فقط كما في الأقمار السابقة من أجل تصحيح أفضل لتأثير الأيونسفير، أما بالنسبة للإشارة الخاصة بالأجهزة العسكرية، فهي تبث أيضاً إشارة أخرى غير الإشارة الدقيقة P Code السابقة، يطلق عليها اسم M Code، أي الطاقة المرنة، وهي ميزة جديدة في الأقمار الجديدة.
أما الأقمار التي سيتم إطلاقها بعد أقمار (نافستار) IIR-M، فهي (12) قمراً اصطناعياً من نوع (نافستار) IIF، وهي من صنع شركة (بوينج)، وسيتم فيها استخدام التردد L5 في إرسال الإشارة C/A، ومن المؤمّل إطلاق أولها عام 2007م.
ومن أجل التنسيق بين النظام الأمريكي (نافستار) GPS، والنظام الأوروبي الجديد لتحديد الموقع والمسمى (غاليليو)، والمؤمل أن يبدأ عمله عام 2009م وقّع وزير الخارجية الأمريكي السابق (كولن باول) في 26 يونيو 2004م اتفاقاً مع الاتحاد الأوروبي، ليكون نظام (غاليليو) قادراً على العمل المشترك مع نظام GPS.
فقد كان التردد المدني الخاص بنظام (غاليليو) يستخدم في السابق الشفرة M نفسها، ولكن بعد الاتفاق تم تغيير هذه الشفرة بعيداً عن الشفرة M.
لذلك، فإن أنظمة الملاحة المتخصصة بعد اكتمال نظام (غاليليو) ستكون معتمدة على نظامين مستقلين بدلاً من الاعتماد الكلي على نظام GPS، الذي تلجأ وزارة الدفاع الأمريكية إلى زيادة معدل الخطأ فيه في حالة وقوع الأزمات، لتمنع الجهات المعادية لها من الاستفادة من الإشارة المدنية.

نظام (غلوناس) الروسي لتحديد الموقع


بدأ نظام (غلوناس) لتحديد الموقع عام 1982م بإطلاق أول أقمار هذا النظام، وصُمِّم ليكون النظام الخاص بالاتحاد السوفيتي المماثل لنظام GPS؛ ويتم إطلاق الأقمار الاصطناعية لنظام (غلوناس) إلى مدار دائري بارتفاع (19100) كيلومتر بثلاثة مستويات مدارية، وعدد الأقمار الاصطناعية للنظام عند اكتماله هي (21) قمراً اصطناعياً، بالإضافة إلى (3) احتياطية، وهو كذلك يستخدم إشارة رقمية بنمط عشواء كاذبة، ويحتاج إلى استقبال إشارات (4) أقمار اصطناعية لتحديد الموقع. ويكمل القمر الاصطناعي دورة كاملة حول الأرض كل (11) ساعة و (15) دقيقة. ويتم التمييز بين الإشارات الواردة من الأقمار المختلفة من خلال التقسيم الترددي المتعدد الوصول FDMA.
ويميل مدار أقمار (غلوناس) (8،64) درجة بدلاً من (55) درجة في أقمار GPS الحالية، ويبث كذلك نوعان من الإشارات، الأول: يمكن استقبالها ومعالجتها بواسطة الأجهزة التجارية، والثاني: مخصص للجهات الحكومية الروسية.
تمتاز أقمار (غلوناس) بكونها تحمل كمية كبيرة من الوقود الدافع، مما يسمح بتغيير مدار القمر الاصطناعي عند تعطُّل أحد الأقمار بسرعة، ويتم إطلاق أقمار (غلوناس) بواسطة صاروخ (بروتون) الضخم، حيث يحمل (3) أقمار في كل عملية إطلاق.
وبإمكان الأجهزة المدنية لتحديد الموقع العاملة لاستقبال إشارات (غلوناس) تحديد الموقع بخطأ لا يزيد على (100) متر، أما الأجهزة العسكرية فيمكنها تحديد الموقع بخطأ لا يزيد على (20) متراً.
ويعمل نظام (غلوناس) بمديين ترددين، هما: (5625،1602 5،1615) ميجاهرتز، و (1240 1260) ميجاهرتز.
أما الأقمار الاصطناعية العاملة مع نظام (غلوناس)، فكانت الأقمار الأولى من نوع Uragan، وتزن (1415) كيلوجراماً، وبعمر افتراضي (4) سنوات، أما الأقمار التي بدأ بإطلاقها عام 2001م، فهي من نوع Uragan-M، وتزن (1570) كيلوجراماً وبعمر افتراضي (7) أعوام.
وتأمل روسيا إطلاق أقمار من نوع جديد هي Uragan-K، التي تزن (745) كيلوجراماً فقط، وبعمر افتراضي (10) أعوام.
وعانى نظام (غلوناس) ما عانت منه برامج الفضاء بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، فلم يتم إطلاق أقمار لنظام (غلوناس) للفترة 1996 2000م، لتعويض الأقمار المعطلة إلا لمرة واحدة فقط، مما أدى إلى انخفاض عدد الأقمار العاملة مع النظام؛ لكن برنامج (غلوناس) شهد استعادة الاهتمام به بعد عام 2001م، حيث تمت عملية إطلاق لثلاثة أقمار كل عام من الأعوام التي تلت عام 2001م.
ولم يتم حتى الآن وصول عدد الأقمار العاملة في المدار إلى الرقم المطلوب للتغطية الشاملة للأرض، وهي (24) قمراً، حيث إن عدد الأقمار الاصطناعية العاملة بداية عام 2005م هو (12) قمراً .

نظام (غاليليو)


نظام (غاليليو) هو نظام الملاحة الفضائية الخاص بالاتحاد الأوروبي، ويتم تمويله من وكالة الفضاء الأوروبية والاتحاد الأوروبي، وتم البدء بتصنيع أقمار هذا النظام مؤخراً.
ويتألف نظام (غاليلو) من (30) قمراً بثلاثة مستويات مدارية تدور حول الأرض بمدارات دائرية على ارتفاع (24) ألف كيلومتر.
ومن المؤمل أن يتم الاستفادة في تطوير أنظمة (غاليليو) من التجارب التقنية التي تتم حالياً في نظام Egnos، ومشروع (أغنوس) الذي يستخدم فيه القمر الاصطناعي الأوروبي (أرتيمس) في بث إشارة مشابهة لإشارات نظام GPS، و Glonass، وإشارة أخرى تحمل معلومات عن مقدار الخطأ في النظامين.
ويأمل المختصون في الاتحاد الأوروبي أن يكون نظام (غاليليو) أفضل أنظمة تحديد الموقع للاستخدامات المدنية، بحيث لا يزيد الخطأ في تحديد الموقع على متر واحد؛ أي أنه بمستوى مشابه للأنظمة المعروفة ب Differential GPS.

أنظمة ملاحية أخرى


هناك أنظمة أخرى في العالم تعمل عمل نظام (أغنوس)، الهدف منها توفير تحديد للموقع للاستخدامات المدنية بدقة أعلى، ويستخدم بالدرجة الأساس لخدمة النقل الجوي والطائرات، ومن هذه الأنظمة: نظام WAAS الذي يعمل حالياً في أمريكا الشمالية ونظام MSAS الياباني، الذي تأمل اليابان أن يكون عاملاً بعد إطلاق القمر الاصطناعي الياباني MTSAT2، بعد نجاح عملية إطلاق القمر MTSAT-IR بداية عام 2005م